“الله حي عباس جاي ضرب البمبة في راس العمدة وهو جاي”
مع ذكرى رحيل الخديوى الأخير “عباس حلمي الثانى, دعونا نتذكر اغنية, كنا نرددها فى صغرنا, أو على الأقل نسمعها, دون ان نعرف معناها, وهى
“الله حي عباس جاي.. ضرب البمبة في راس العمدة وهو جاي” والتى تعد واحدة من العبارات والجمل المأثورة التي انتشرت على ألسنة الكثيرين في مصر، والتي ربما يقولها ويرددها البعض وهم لا يعرفون أصلها ومعناها، وعباس المقصود هنا هو الخديوى عباس حلمي الثاني بن الخديوى محمد توفيق بن الخديوى إسماعيل بن الوالي إبراهيم باشا بن محمد علي باشا مؤسس الأسرة العلوية التي حكمت مصر ما يقرب من 150 سنة.
وهو سابع حكام الأسرة العلوية حيث تولى حكم مصر وعمره 18 عاما، وذلك بعد وفاة والده الخديوى محمد توفيق باشا، وقد استمرت فترة حكمه لمصر 22 عام خلال الفترة من يوم 8 يناير 1892 إلى أن عزله الإنجليز منذ 108 سنة وتحديدا في يوم 19 ديسمبر 1914، فكان بذلك عباس حلمي الثاني هو الخديو الأخير لمصر.
وعباس حلمي الثاني الذي توفي منذ 78 سنة، وتحديدا في يوم 19 ديسمبر سنة 1944 كان أكبر إخوته سنا، وفي بداية توليه حكم مصر انتهج سياسة إصلاحية، حيث تقرب من الشعب وقاوم الاحتلال الإنجليزي وقام بدعم الزعيم الوطني مصطفى كامل في نضاله ومناداته بإجلاء المحتلين، وقد انتهز الإنجليز فرصة وجود الخديوى عباس خارج البلاد بالإضافة إلى بوادر نشوب الحرب العالمية الأولى.
وقاموا بخلعه من منصبه كحاكم لمصر، وقاموا بتنصيب عمه حسين كامل سلطانا على البلاد رسميا.
والجدير بالذكر أنه يوجد بالقاهرة كوبري أطلق عليه اسمه، وهو كوبري عباس الذي يربط بين جزيرة منيل الروضة ومدينة الجيزة، كما سميت الحلمية الجديدة باسمه ، وقد تحدى الخديوى عباس حلمى الثاني قبل عزله كثيرا سلطات الاحتلال ممثلة في اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني أو كما كان يطلق عليه المعتمد البريطاني.
وبعد عزله ومنعه من دخول مصر كان الشعب المصري في مظاهراته ضد الاحتلال الإنجليزي يهتف باسم عباس نكاية في الإنجليز، وكثيرا ما كان يخرج المتظاهرون ويهتفون: “الله حي عباس جاي”
وهذا الهتاف كان يستخدمه الصوفية في الموالد والاحتفالات الدينية أيضا نكاية في الإنجليز، كما حوله الأطفال في الشوارع إلى أغنية يتغنون بها فكانوا يقولون: “الله حي عباس جاي ضرب البمبة في راس العمدة وهو جاي” والعمدة المقصود في الأغنية هو المعتمد البريطاني، الذي كان يمثل سلطة الاحتلال الإنجليزي في مصر، وكلمة “راس العمدة” لم تكن موجودة في أصل الأغنية، وتم استخدمتها بدلا من الكلمة الأصلية التي حذفها لأنها كلمة خارجة.
ولقد عاش الخديوى المعزول عباس حلمي الثاني في منفاه بتركيا يمني نفسه بالعودة إلى حكم مصر مرة أخرى، لكن ومع مرور الزمن بدأ المد الوطني يزيد، وبدأت تتغير معه الهتافات في المظاهرات، حيث أصبحت الهتافات تدوي باستقلال مصر وحريتها، بعدما كانت تنادى بخروج الإنجليز والعودة إلى التبعية للحكم العثماني، فمع ظهور سعد زغلول ورفاقه بدأ الناس ينسون الخديوى عباس حلمي الثاني الذي لم يبق عالقا منه في ذاكرة الناس سوى كلمة “الله حي عباس جاي”، وإن كان البعض يقولها الآن ولا يعرف أصلها والحقيقة أن الكثيرين قد أحبوا الخديوى عباس حلمي الثاني وبالغوا في حبه حتى أنه يعد واحدا من بناة مصر الحديثة في نظرهم، نظرا لإنجازاته المعمارية حيث أكمل بناء مصر الخديوية (عمارات منطقة وسط البلد) التي بدأها جده إسماعيل، وافتتحت العديد من المشاريع والمنشآت في عهده، وفي نفس الوقت انتقده الكثيرون بسبب موقفه السلبي وقت مذبحة دنشواي، وأيضا لأنه بعد أن كان يطالب بحقه في حكم مصر عقد في النهاية صفقة مع عمه الملك فؤاد تنازل بموجبها عن مطالبته بحكم مصر مقابل آلاف الجنيهات حسب العديد من المصادر، وهكذا عاش عباس حلمي الثاني حياته بين محبة المحبين وانتقاد المنتقدين حتى وفاته في يوم 19 ديسمبر سنة 1944 وهو اليوم الذي وافق الذكرى الثلاثين لعزله من حكم مصر.